نبذة عن
العمارة الإسلامية
من كتاب
القيمة الجمالية فى العمارة الإسلامية
بقلم الدكتور ثروت عكاشة
تأثر العمارة الإسلامية بالحضارات الأخرى
لقد تأثر الفن
الإسلامى بفنون الحضارات التى احتواها الإسلام تأثرا خلاقا، حيث تجد
هناك عبقرية وتجديد، وتجد أن الأمم كلها مدينة لبعضها فى الكثير من
الثقافات والفنون، حيث وجد أن فنانى الأمة الواحدة يديد كل منهم إلى
الآخر، لدرجة أنه قيل أن المصورين يتأثر الواحد منهم بأعمال غيره أكثر
من تأثره بالطبيعة من حوله.
وكل ذلك يدفع
بحلقات تطور الفن حتى تصل إلى غايتها وإلى التبلور المتكامل للتشكيل.
فقد ابتكر
المصريون القدماء نظاما معماريا يسمى "بروتودورى" أى ما قبل "الدورى"،
ونراه فى مقابر بنى حسن فى عهد الأسرة الثانية عشرة. ولم يكن هذا
النظام المعمارى ليفى بمتطلبات الرمزية فى العمارة الدينية التى
استخدمت فيها الأعمدة النباتية النامية كأعواد اللوتس والبردى، فاقتصر
استعماله على حالات خاصة فى العمارة المصرية القديمة، إلا أن هذا
النظام صادف هوى فى نفوس الإغريق القدامى فاقتبسوه وطوروه حتى بلغوا به
قمة الكمال، وتمثلوه حتى اتخذ النمط الإغريقى بمقاييسه ومنحنياته
ونسبه.
ذلك النمط الذى
لم يعد يمت إلى الأصل الفرعونى إلا ببعض أشكال تلك العناصر وفكرة
التكوين المعمارى، فكان ذلك كسبا جديدا للحضارة والثقافة الإنسانية.
ونجد مثلا آخر
لتأثر الثقافات والفنون بعضها ببعض، فى استخدام أصحاب الكنيسة الشرقية
للقبة ذات الخناصر المتدلية "بندانتيف" التى ابتكرها المصريون القدامى.
ولا يوجد لها إلا نموذجا واحدا فى المقبرة المجاورة لمقبرة سنب بجبانة
طيبة. وهذا لا يقلل من قيمتها فى الدلالة على أن المصريين القدامى هم
أول من ابتكر هذا النوع من القباب التى تأثر بها أهل بيزنطة حتى ارتبطت
بهم أكثر مما ارتبطت بالمصريين وشاعت تسميتها "بالقبة البيزنطية".
وإذا كان الفن
الإسلامى تأثر منذ نشأته بفنون البلاد التى فتحها وخاصة الساسانى
والبيزنطى منها، إلا أنه استبعد منها الجوانب الأسطورية وفنون المحاكاة
الشكلية النوعية أو الخاصة وتكويناتها الموروثة والمنقولة والمبتكرة،
ثم عالج فنونها التجريدية بما يتفق مع تعاليم الدين الإسلامى وروحه
وفلسفته. وبهذا تميز الفن الإسلامى بقسماته عن الفنون التى تأثر بها
وعن باقى الفنون الدينية.
وجد الفن
الإسلامى طريقه سهلا إلى امتصاص الفنون المختلفة التى تأثر بها وصهرها
فى بوتقته الشخصية، لأن كافة هذه الفنون تنتظمها روح الشرق التى تتجه
بطبيعتها نحو التجريد وتحوير الأشكال الطبيعية وتنسيقها فى صيغ ذات
إيقاع وتكوينات هندسية وزخرفية.
ولقد استنبط
المعماريون المسلمون نظاما معماريا مميزا متكاملا من التشكيلات
والتراكيب المعمارية والزخرفية التى تكون فى مجموعها الطراز الإسلامى
الموحد فى روحه وطابعه، وإن اختلف فى بعض تفاصيله من إقليم لآخر، كما
اختلف تماما عن باقى الفنون الدينية الأخرى.
ويرد البعض سر
الوحدة التى تجمع الفنون الإسلامية وتتجلى فى الطراز الإسلامى إلى توحد
الخط العربى الذى يكتب به المصحف الشريف، كذلك طابع الفكر الشرقى
وتفاعله مع البيئة فى البلاد التى انتشر فيها الإسلام.
وقد تعود أشكال
الخط العربى نفسه بمنحنياته وخطوطه وتكويناته الفنية إلى هذا الطابع
الفكرى أو السيكولوجى، مما يجعلنا نحس توافقا بين الخط المكتوب وبين
التشكيلات الزخرفية التى تزين المصاحف وأسطح الجدران فى العمارة،
بأشكالها ومنحنياتها فى تقابلاتها وتحولاتها المتنوعة الخطوط، وفى
القباب التى تزينها، وفى الأوانى المعدنية أو الزخرفية إلى غير ذلك من
منجزات الإقليم الواحد، كما نحس التوافق نفسه عندما نوازن بين منجزات
مختلف بلاد الشرق على مر العصور.
هكذا تهيأت نفوس
أهل هذه البلاد ذات البيئة الواحدة، والمناخ المتقارب والبيئة
الصحراوية، لتقبل الأشكال الفنية نفسها والفلسفات العقائدية التى تكتمل
فى أى بلد منها، خاصة وأنه لا توجد فوارق فى الطبيعة الجغرافية بين
مختلف البلاد الإسلامية إلا فى تركيا والهند وحدهما، حيث تتساقط
الأمطار بما لا تعرفهه البلاد الأخرى، وهو ما استدعى تعايرا فى بعض
التشكيلات المعمارية عن بقية البلاد الحارة والجافة الصحراوية، وإن لم
يمنع ذلك دون شمولية الوحدة التعبيرية عن العقيدة الإسلامية فى هذين
الإقليمين، مثل باقى الدول الإسلامية، فبقيتا تستخدمان نفس العناصر
الزخرفية والخطوط العربية والعناصر المعمارية كالمئذنة والقبة والعقد
التى تتطلبها الناحية التشكيلية بقدر ما تفرضها مراعاة الناحية
الوظيفية فى تدعيم الجامع ليتفق وإقامة شعائر الصلاة وطريقة انتظام
المصلين صفوفا عرضيا فى مواجهة حائط القبلة. |